الأربعاء 18 حزيران (يونيو) 2014

“الكليشيهات” العربية في الإعلام الغربي

الأربعاء 18 حزيران (يونيو) 2014 par فيصل جلول

“الصور النمطية للعرب والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية”، هو عنوان حلقة دراسية نظمها معهد “ابن سينا” للعلوم الإنسانية في مدينة ليل شمالي فرنسا بالاشتراك مع منظمة الإيسسكو . ليس هذا العنوان جديداً تماماً في فضاء البحث والنقاش، فقد سبق أن طرح في عدد من الدراسات والمؤلفات والندوات، والراجح أنه سيطرح مراراً ما دام الإعلام الغربي يتحدث عن العرب والمسلمين باختزال مخل يقتصر على “كليشيهات” دونية وأحياناً عدوانية . لكن الفارق هذه المرة تمثل في خروج الحلقة الدراسية بمقترحات عملية قانونية وحقوقية، وكان لكاتب هذه السطور نصيب فيها .
أما الصور الاختزالية المتداولة في الإعلام الغربي عموماً عن العرب والمسلمين فيمكن تصنيف أبرزها في العناوين الآتية: ترميز العربي بالجمل والخيمة والصحراء . الخلط بين الإسلام والإرهاب . الخلط بين الإرهاب والمقاومة . التركيز على المرأة المبرقعة علماً أن المبرقعات أقلية الأقلية في صفوف المسلمات . التركيز على مسلمي ضواحي المدن وتشخيص هذه الضواحي بوصفها بيئة حاضنة للعرب الجانحين . اعتبار الإسلام ديناً متخلفاً . النظر للحضارة العربية الإسلامية بوصفها أدنى مرتبة من الحضارة الأوروبية والغربية عموماً . . إلخ .
تندرج هذه الصور في سياق استراتيجية واعية أو عفوية لا فرق، همها شيطنة الآخر العربي والمسلم الذي يشار إليه أحياناً بوصفه العدو البديل عن السوفييت بعد انهيار الحرب الباردة، بل اشتد الحديث عن العداء للإسلام والمسلمين والعرب بعد أحداث 11 سبتمبر/ أيلول عام 2001 . غير أن عوامل ضاربة في التاريخ لعبت وتلعب دوراً في هذا التنميط وتمده بدوافع معظمها مضمر، ومن هذه العوامل الحروب الصليبية، ومحاكم التفتيش الإسبانية، والحملات الدعاوية التحريضية خلال فترات الاستعمار الاستيطاني، وصولاً إلى تطور الإيديولوجيات العنصرية في أوروبا من العداء العرقي إلى العداء العرقي الديني .
أضف إلى ذلك نشوء “إسرائيل” التي زرعها الغرب في قلب العالم العربي، وتصنيفها ب “الديمقراطية” الوحيدة في الشرق الأوسط، ما يعني أن جوارها غير ديمقراطي ومتخلف عنها، ويجدر النظر إليه بهذه الصفة وليس بوصفه وريث حضارة عريقة .
وإذا كان انتشار الصور النمطية عن العرب والمسلمين ناجماً عن رسو الهرمية العالمية اليوم على غالب أوروبي وغربي ومغلوب عربي ومسلم بعد صراعات قرنية، فالواضح أيضاً أن نتائج التنميط والشيطنة التي تمارس في الإعلام الغربي تساهم في توسيع الهوة بين الطرفين، وفي حفظ الفارق في التبعية العربية والإسلامية للغرب، الأمر الذي يحيل مشاريع حوار الحضارات والديانات إلى تمارين ذهنية مملة أو إلى حفلات علاقات عامة ومجاملات، وأحياناً مقاولات ثقافية لا تعدل شيئاً في جوهر العلاقة بين الطرفين، لا بل تساهم في تمويه العلاقات الصراعية بقدر من النفاق الذي يحجب الرؤيا ويشتت وعي الناس ويساعد على بقاء معادلة ازدواج المعايير صامدة وتحضر في كل أزمة .
للخروج من هذه السيرورة الممتدة بهذه الصيغة منذ الحرب العالمية الأولى على الأقل، لا بد للعرب والمسلمين أن ينظروا إلى علاقاتهم بالغرب من خلال احتمالات ثلاثة، وأن يختاروا الأفضل منها . الاحتمال الأول ينطوي على هزيمة الغرب وبالتالي فرض شروط العرب في العلاقة معه على أساس الغالب والمغلوب، وهذا الخيار ليس متاحاً ومن الصعب تحقيقه والأخذ به، ذلك أن موازين القوى تميل بوضوح لمصلحة الغرب الذي سيكون قادراً إلى أجل غير مسمى في فرض غلبته على المجموعات الحضارية المختلفة التي لا تنتمي إلى قيمه وتقاليده وأصول حضارته . والاحتمال الثاني ينطوي على التكيف في إطار التبعية العربية والإسلامية للغرب، والتكيف يعني هنا التخلي عن أجزاء أساسية من هويتنا لكي نصبح مقبولين في عرف الغرب ونستجيب للقاعدة الشهيرة: في روما يجب أن تعيش كما يعيش الرومان . أي أن تأكل وتلبس مثلهم، وأن تتحدث لغتهم، وأن تتبنى دينهم ومعتقداتهم، وأن تحرص على قيمهم، وأن تتخلص من قيمك وهويتك ومعتقداتك وتاريخك، وإن فعلت كما يفعل الرومان فهذا يعني أن تكف عن أن تكون أنت، وأن تصبح رومانياً، وهو أمر لا تريده أكثرية المسلمين والعرب الذين يصرّون على هويتهم كأي شعب يحترم نفسه . ويبقى الخيار الثالث وهو طلب الشراكة مع الغربيين . فما دمنا نعيش في عالم متعولم، وفي ظل حضارة واحدة اندماجية تقوم على احترام الآخر بما هو آخر، وليس بوصفه تابعاً ذليلاً، فإننا مطالبون بإرساء علاقة الند للند، والشريك للشريك المساوي له .
إن علاقة الشراكة المتساوية تتيح الاقتراب أكثر من الصيغة العادلة للمجتمع الدولي التعددي الذي يتمتع أفراده بالمساواة الفعلية وليس السطحية والشكلية . وإذ تستقر علاقة الشراكة على الصعيد الدولي وترسو على أنداد لا تابع بينهم ولا متبوع، فإنها تبطل الحاجة إلى كبش محرقة وإلى الشيطنة وازدواج المعايير .
وتبطل الحاجة إلى الاستخفاف بقيم وتاريخ وتقاليد وطموحات العرب والمسلمين، وبالتالي التعاطي معهم بوصفهم فضاء تابعاً يدور حول الغرب ويخضع لشروطه ويحترم قيمه .
ما من شك في أن الشراكة العربية الإسلامية الندية مع الغرب لا يمكن أن تبنى على التظلم العربي والشكوى من ازدواج المعايير وعدم احترام القوانين والقواعد الدولية، ولا يمكن للصور النمطية في وسائل الإعلام الغربية أن تزول تلقائياً بفعل خير أو مكرمة، فالشراكة تستدعي استخدام أوراقنا العربية وتستدعي ثقافة حقوقية تبين ما للعرب للعرب وما لغيرهم لغيرهم، وهذا لن يتم إلا إذا قرر العرب والمسلمون الخروج من أسر التبعية واكتساب ثقافة المساواة والتصميم على الدفاع عنها حتى الموت .
بعبارة أخرى نقول، إن أفضل وسيلة للتخلص من عبء الصور النمطية عن الإسلام والمسلمين في وسائل الإعلام الغربية تكمن في التصميم على خلع ثياب التبعية وارتداء ثياب الحرية والمساواة على قاعدة من الشراكة الندية، وكل كلام آخر في هذا الشأن هو مضيعة للوقت وللكرامة .



الصفحة الأساسية | الاتصال | خريطة الموقع | | إحصاءات الموقع | الزوار : 10 / 2165405

متابعة نشاط الموقع ar  متابعة نشاط الموقع أقسام الأرشيف  متابعة نشاط الموقع أرشيف المقالات   ?    |    titre sites syndiques OPML   ?

موقع صمم بنظام SPIP 3.2.7 + AHUNTSIC

Creative Commons License

15 من الزوار الآن

2165405 مشتركو الموقف شكرا

Visiteurs connectés : 15


تصدر عن الاعلام المركزي _ مفوضية الشؤون الاعلامية - تيار المقاومة والتحرير

المواد في الموقع لا تعبّر بالضرورة عن رأي التحرير وجميع الحقوق محفوظة للموقف وشبكة الجرمق - تشرين ثاني -2010